سورة الفرقان - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43)}
قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ} عجب نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إضمارهم على الشرك وإصرارهم عليه مع إقرارهم بأنه خالقهم ورازقهم، ثم يعمد إلى حجر يعبده من غير حجة. قال الكلبي وغيره: كانت العرب إذا هوى الرجل منهم شيئا عبده من دون الله، فإذا رأى أحسن منه ترك الأول وعبد الأحسن، فعلى هذا يعنى: أرأيت من اتخذ إلهه بهواه، فحذف الجار.
وقال ابن عباس: الهوى إله يعبد من دون الله، ثم تلا هذه الآية.
قال الشاعر:
لعمر أبيها لو تبدت لناسك *** قد اعتزل الدنيا بإحدى المناسك
لصلى لها قبل الصلاة لربه *** ولا ارتد في الدنيا بأعمال فاتك
وقيل: {اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ} أي أطاع هواه. وعن الحسن لا يهوى شيئا إلا أتبعه، والمعنى واحد. {أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} أي حفيظا وكفيلا حتى ترده إلى الايمان وتخرجه من هذا الفساد. أي ليست الهداية والضلالة موكولتين إلى مشيئك، وإنما عليك التبليغ. وهذا رد على القدرية. ثم قيل: إنها منسوخة بآية القتال.
وقيل: لم تنسخ، لان الآية تسلية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44)}
قوله تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ} ولم يقل أنهم لان منهم من قد علم أنه يؤمن. وذمهم عز وجل بهذا. {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ} سماع قبول أو يفكرون فيما تقول فيعقلونه، أي أهم بمنزلة من لا يعقل ولا يسمع.
وقيل: المعنى أنهم لما لم ينتفعوا بما يسمعون فكأنهم لم يسمعوا، والمراد أهل مكة.
وقيل: {أَمْ} بمعنى بل في مثل هذا الموضع. {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأنعام} أي في الأكل والشرب لا يفكرون في الآخرة. {بَلْ هُمْ أَضَلُّ} إذ لا حساب ولا عقاب على الأنعام.
وقال مقاتل: البهائم تعرف ربها وتهتدى إلى مراعيها وتنقاد لأربابها التي تعقلها، وهؤلاء لا ينقادون ولا يعرفون ربهم الذي خلقهم ورزقهم.
وقيل: لان البهائم إن لم تعقل صحة التوحيد والنبوة لم تعتقد بطلان ذلك أيضا.


{أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (45) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (46)}
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} يجوز أن تكون هذه الرؤية من رؤية العين، ومجوز أن تكون من العلم.
وقال الحسن وغيرهما: مد الظل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
وقيل: هو من غيوبة الشمس إلى طلوعها. والأول أصح، والدليل على ذلك أنه ليس من ساعة أطيب من تلك الساعة، فإن فيها يجد المريض راحة والمسافر وكل ذى علة: وفيها ترد نفوس الأموات والأرواح منهم إلى الأجساد، وتطيب نفوس الأحياء فيها. وهذه الصفة مفقودة بعد المغرب.
وقال أبو العالية: نهار الجنة هكذا، وأشار إلى ساعة المصلين صلاة الفجر. أبو عبيدة: الظل بالغداة والفيء بالعشي، لأنه يرجع بعد زوال الشمس، سمى فيئا لأنه فاء من المشرق إلى جانب المغرب. قال الشاعر، وهو حميد بن ثور يصف سرحة وكنى بها عن امرأة: فلا الظل من برد الضحا تستطيعه ولا الفيء من برد العشى تذوق وقال ابن السكيت: الظل ما نسخته الشمس والفيء ما نسخ الشمس. وحكى أبو عبيدة عن رؤية قال: كل ما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو في وظل، وما لم تكن عليه الشمس فهو ظل. {وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً} أي دائما مستقرا لا تنسخه الشمس. ابن عباس: يريد إلى يوم القيامة، وقيل: المعنى لو شاء لمنع الشمس الطلوع. {ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا} أي جعلنا الشمس بنسخها الظل عند مجيئها دالة على أن الظل شيء ومعنى، لان الأشياء تعرف بأضدادها ولولا الشمس ما عرف الظل، ولولا النور ما عرفت الظلمة. فالدليل فعيل بمعنى الفاعل.
وقيل: بمعنى المفعول كالقتيل والدهين والخضيب. أي دللنا الشمس على الظل حتى ذهبت به، أي اتبعناها إياه. فالشمس دليل أي حجة وبرهان، وهو الذي يكشف المشكل ويوضحه. ولم يؤنث الدليل وهو صفة الشمس لأنه في معنى الاسم، كما يقال: الشمس برهان والشمس حق. {ثُمَّ قَبَضْناهُ} يريد ذلك الظل الممدود. {إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً} أي يسيرا قبضه علينا. وكل أمر ربنا عليه يسير. فالظل مكثه في هذا الجو بمقدار طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فإذا طلعت الشمس صار الظل مقبوضا، وخلفه في هذا الجو شعاع الشمس فأشرق على الأرض وعلى الأشياء إلى وقت غروبها، فإذا غربت فليس هناك ظل، إنما ذلك بقية نور النهار.
وقال قوم: قبضه بغروب الشمس، لأنها ما لم تغرب فالظل فيه بقية، وإنما يتم زواله بمجيء الليل ودخول الظلمة عليه.
وقيل: إن هذا القبض وقع بالشمس، لأنها إذا طلعت أخذ الظل في الذهاب شيئا فشيئا، قاله أبو مالك وإبراهيم التيمي.
وقيل: {ثُمَّ قَبَضْناهُ} أي قبضنا ضياء الشمس بألفي {قَبْضاً يَسِيراً}.
وقيل: {يَسِيراً} أي سريعا، قاله الضحاك. قتادة: خفيا، أي إذا غابت الشمس قبض الظل قبضا خفيا، كلما قبض جزء منه جعل مكانه جزء من الظلمة، وليس يزول دفعة واحدة. فهذا معنى قول قتادة، وهو قول مجاهد.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11